“جبل طويق” ملهم الساسة ورمز التاريخ ومنارة المستقبل

(النشرة الثقافية لوكالة الأنباء السعودية .. ضمن الملف الثقافي لاتحاد وكالات الأنباء العربية “فانا”)

الرياض في 28 يونيو 2025

لطالما كانت الجبال الشاهقة شاهدة على أزمنة وحضارات وأمم مضت، وعلى جدرانها خطت الرسائل ورسمت النقوش وخطت الوقائع لتبقى ما بقي الإنسان، ومن على سفوحها عمر الإنسان أرضه ومنه استلهم قوته التي لا تضمحل .

وفي المملكة العربية السعودية، ترتفع سلسلة جبال طويق الشاهقة، التي ارتبطت بهمّة الإنسان السعودي، وتمتد هذه السلسلة في وسط نجد لمسافة تتجاوز 800 كيلومتر، وتُعد من أبرز المعالم الجغرافية في شبه الجزيرة العربية.

وتبدأ جبال طويق من رمال الثويرات شمال محافظة الزلفي، وتتجه جنوبًا حتى يختفي طرفها في صحراء الربع الخالي، لتبلغ مسافتها قرابة ألف كيلومتر، وتحيط بها خضراء اليمامة بما فيها من نخيل وزروع، ومدن وقرى، كما تنحدر منها عشرات الأودية الكبيرة.

وتتخذ هذه السلسلة شكل قوس أو “طوق” يطوّق مساحة شاسعة، ويمكن رؤيته من الفضاء الخارجي، وتتميّز قممه الحادّة بأنها تجسّد معاني القوة، والشموخ، والثبات.

وتنحدر السفوح الشرقية لسلسلة جبال طويق بشكل تدريجي، بخلاف الجانب الغربي الذي ينقطع بشكل مفاجئ، وتنحدر على جانبه الشرقي عدة أودية أشهرها وادي حنيفة، الذي تقع على ضفافه مدينة الرياض، كما تفلجه بشكل كامل من الغرب إلى الشرق أودية مهمة مثل: العتش، ولحاء، والأوسط، ونساح، وبرك، والسليل، والفاو، وهو آخرها جنوبًا، وحدد معالمها وروافدها الهجري والهمداني والبكري والأصفهاني والحموي والبليهد والجاسر وابن خميس، وتركّزت معظم حواضر منطقة جنوب ووسط نجد تاريخيًا حول “جبل طويق” وعلى الأودية المنحدرة على جوانبه منذ العصر الجاهلي، ويسمى الجبل تاريخيا بـ “جبل العارض” أو “عارض اليمامة”، وظل هذا الاسم القديم معروفا حتى العصور الحديثة، وعليه سميت بلاد العارض التي تشمل الرياض ومحافظاتها المحيطة بها مثل: ضرما والمزاحمية والدرعية والعيينة والجبيلة وسدوس وغيرها لوقوعها عليه، كما يشكل جبل طويق حاجزا بين قرى سدير من الشرق وقرى الوشم من الغرب، ويحتل وادي البطين الجزء الغربي من سلسلة طويق الشامخة .
ومن أبلغ الوصف لهذا الجبل الأشم هو قول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم (فأعرضت اليمامة واشمخرت، كأسياف بأيدي مصلتينا)، وتابعه في العصر الحديث شاعر ومؤرخ اليمامة الشيخ عبدالله بن خميس في قوله (يا جاثما بالكبرياء تسربلا، هلاّ ابتغيت مدى الزمان تحوّلا، شاب الغراب وأنت جلد يافعا، ما زعزعت منك الحوادث كاهلا).
ومنهم من سماه العارض كما أسلفنا لاعتراضه كقول الشاعر (وأكاد من شغفي بما أنشدته أطوي إليك تهامة والعارضا)، وآخرون قالوا عنه “طويق”، فهو جبل (اليمامة والعارض وطويق)، يقول أحدهم (ولو أن قلب طويق باح بسره، لم يَعْدُ ما هو شَفَّ عنه مجلجلا).
ومن خشوم طويق الشامخة وأطواله الممتدة ومناكبه العملاقة، استشف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، مقولته الشهيرة (همة السعوديين مثل جبل طويق)، وهي أبلغ وصف محفز لرفع المعنويات وشحذ همم الشباب، وأجيال المستقبل في الوقت الحديث؛ لاستلهام القوة من المحيط الجغرافي للإنسان وربطه بجذوره التاريخية التي يعتز بها .
ومن أكبر مشاريع الوطن الواعدة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، مشروع مدينة “القديّة”، وهو أول مشاريع شركة القديّة للاستثمار القائمة على الترفيه والرياضة والثقافة، ويتربع المشروع على منتصف سلسلة “جبال طويق”، ويبعد عن العاصمة الرياض قرابة (45) كيلو مترا، ووضع حجر الأساس للمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود” في يوم 28 أبريل 2018 الموافق 12 شعبان 1439 هـ، وقد أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن الاستثمار النوعي في مدينة “القدية” هو أحد مرتكزات “رؤية المملكة 2030″، التي تستهدف تنويع مصادر دخل الاقتصاد المحلي، مشيرا إلى أن المدينة ستصبح في المستقبل القريب الأبرز على مستوى العالم في مجال الترفيه والرياضة والثقافة.

ويهدف مشروع “مدينة القديّة” إلى تنويع اقتصاد المملكة وتوظيف الشباب السعودي الطموح، حيث تسعى المدينة للمساهمة بـ 135 مليار ريال سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير 325,000 فرصة عمل جديدة عبر أكثر من 200 نوع من الوظائف في مختلف القطاعات والصناعات طوال فترة تطوير المشروع، وتعزيز تطوير عدد من القطاعات، كما تعمل “القديّة” على جذب المستثمرين المحليين والعالميين، الذي سينعكس على ازدهار الأعمال في مدينة الرياض وفي المملكة بشكل عام.
وقد التقت وكالة الأنباء السعودية “واس” المؤرخ الدكتور راشد بن محمد العساكر؛ للحديث عن القديّة المعلم الأبرز في جبال طويق، فقال : القديّة مأخوذة من القد وهو الشق في الجبل، حيث يقطع طريق القديّة جبل طويق الأشم من الاتجاه الغربي والشرقي، وهذا الطريق عمره أكثر من ثلاثة آلاف عام، حيث ينطلق من مدينة حجر اليمامة الموغلة في القدم، ليخترق الجبل غربًا، وحوله نقوش وآثار سحيقة، تمتد إلى آلاف السنين، وقد مر بعمليات ترميم قديمة وحديثة ومن آخرها الترميم الذي كان في عهد الإمام فيصل بن تركي، ثم جاء بعده آخر ترميم في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- عام 1352هـ.
ويبلغ إجمالي مساحة المشروع +360 كيلو مترا مربعا، كما تشمل خطط القديّة مشروعات نوعية مثل: مضمار السرعة الذي يضم “ذا بليد”، أول منعطف معلق من نوعه في العالم، ولعبة “رحلة الصقر” في”Six Flags مدينة القدية”، وهي الأعلى والأسرع والأطول في العالم، إلى جانب “أكواريبيا” – أكبر حديقة مائية في المنطقة .
جدير بالذكر أن شهرة اسم “طويق” جعلته يعيش في وجدان كل مواطن سعودي، فهو ليس صخورًا متراكمة، بل ذاكرة وطن تختزن معارك التوحيد، وهمسات القوافل التجارية، وأنفاس الرُّواد الذين حوّلوا الصحراء إلى ملحمة، وقد استلهم فأطلق على القصر الذي تملكه الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض، ويعد من أبرز الأماكن التي تقام فيها الندوات والمعارض الفنية والثقافية وحفلات الاستقبال الرسمية في العاصمة، كما يطلق اسم طويق على حي كبير من أحياء غرب مدينة الرياض، وعلى اسم النادي الرياضي الأبرز في محافظة الزلفي ومجلته الرائدة “صدى طويق”، وسميت به شوارع رئيسة وفرعية في الرياض بحي الصحافة والقادسية، ومدن الظهران والمجمعة وعين ابن فهيد بمحافظة الأسياح وغيرها من مناطق المملكة. وام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى