“نحن الاحتواء”يناقش الأطر القانونية لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية

الشارقة في الأول من سبتمبر 2025. تجمع إمارة الشارقة ولأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من 120 مؤسسة ومنظمة خلال الدورة الـ 18 من المؤتمر العالمي 2025 “نحن الاحتواء” الذي سيعقد خلال الفترة من 15 حتى 17 سبتمبر الجاري.

ويناقش المؤتمر الأطر القانونية الدولية والوطنية التي تشكّل أساس سياسات دمج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية وفي مقدمتها “اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة CRPD” و”القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006″ في دولة الإمارات.

يأتي ذلك ضمن أجندة حافلة بالمواضيع والقضايا التي تعزز دمج هذه الفئة في مجتمعاتها إذ يعبّر المناصرون الذاتيون من ذوي الإعاقات الذهنية عن أنفسهم ويفهمون حقوقهم ويعملون معاً لدعم بعضهم بعضاحيث يتحدث خلال فعاليات المؤتمر أكثر من 95 مناصراً ذاتياً بشكل مباشر عن التغييرات التي يتطلعون لرؤيتها في القوانين والسياسات.

ويكتسب التركيز على مناقشة الأطر القانونية والتشريعية في هذا المؤتمر أهمية استثنائية إذ تأتي المناقشات في لحظة يشهد فيها العالم تحولات اقتصادية واجتماعية وتقنية عميقة تنعكس مباشرة على حياة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية.

ويعكس انعقاد هذه المناقشة القانونية في الشارقة عمق التجربة الرائدة للإمارة في الدمج والتمكين ما يجعلها منصة موثوقة للخبراء والمنظمات الدولية لإطلاق توصيات قادرة على التأثير إقليمياً ودولياً.

وتُعد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) المرجعية الدولية الأوسع التي يستند إليها المؤتمر إذ تؤكد أن الإعاقة نتاج للحواجز المجتمعية والبيئية لا لذوات الأفراد .

وتقوم هذه الاتفاقية على مبادئ الكرامة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص والمشاركة الفاعلة وإمكانية الوصول والمساواة بين الجنسين واحترام حقوق الأطفال، وتُلزم الدول الأطراف بإقرار تشريعات وإلغاء أي ممارسات تمييزية مع إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في صياغة السياسات والبرامج التي تخصهم.

وعلى الصعيد الوطني يمثّل القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 حجر الأساس في حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في دولة الإمارات إذ يضمن المساواة وعدم التمييز ويكفل لهم الحق في التعليم الشامل والعمل في القطاعين العام والخاص والخدمات الصحية والتأهيلية المجانية إلى جانب توفير بيئة مؤهلة وإعفاءات داعمة وإمكانية الوصول إلى مختلف المرافق.

ويُعد القانون نموذجاً وطنياً رائداً في مواءمة التشريعات مع الاتفاقية الدولية وترسيخ مبدأ أن الإعاقة لا تُقيّد الحق في المشاركة الكاملة في المجتمع.

وحتى فبراير 2025 صادقت 192 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ما يجعلها واحدة من أكثر المعاهدات الدولية قبولاً في منظومة حقوق الإنسان ويؤكد هذا الرقم أن قضية الدمج لم تعد مطلباً نخبوياً أو محلياً بل التزاماً عالمياً يفرض على الدول ترجمة مبادئ الاتفاقية إلى سياسات وتشريعات وطنية.

وتُلزم الاتفاقية الدول بتقديم تقارير دورية حول التقدم المحرز في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلا أن اللجنة الأممية المشرفة على الاتفاقية تُسجل حالياً أكبر تراكم في استلام التقارير مقارنة بجميع معاهدات حقوق الإنسان الأخرى وهذا يعكس بطئاً أو تراجعاً لدى عدد من الدول في الوفاء بالتزاماتها الرقابية ما يجعل مؤتمرات مثل “نحن الاحتواء” منصات حيوية لتجديد الالتزامات الدولية.

وتُظهر تقارير دولية أن أقل من نصف دول العالم تمتلك قوانين وطنية متكاملة متوافقة بالكامل مع اتفاقية CRPD كما تشير بيانات الجمعية الأوروبية لمقدمي الخدمات لذوي الإعاقات إلى أن نحو 2–3% من سكان العالم يعيشون مع إعاقة ذهنية وغالباً ما يواجهون قيوداً على أهليتهم القانونية، ومن هنا يجب أن يتمكن ذوو الإعاقات الذهنية من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم والحصول على فرصة متكافئة للوصول إلى النظام القضائي حيث يمنح نهج اتخاذ القرار المدعوم الأولوية لإرادة الشخص واحتياجاته وتفضيلاته إلى جانب احترام معايير حقوق الإنسان.

وعلى سبيل المثال يختار ذوو الإعاقات شخصاً واحداً أو أكثر من الثقات لمساعدتهم على ممارسة أهليتهم القانونية في أنواع محددة من القرارات أو يلجؤون إلى أشكال أخرى من الدعم منها: دعم الأقران والمناصرة أو المساعدة في التواصل وتلعب الأسر دوراً أساسياً في بناء الروابط الاجتماعية التي تحول عملية اتخاذ القرار المدعوم إلى واقع ملموس.

كما ينبغي أن تتلازم الإصلاحات القانونية مع الدعم المجتمعي وهو ما يجعل مناقشة هذه القضايا في المؤتمر العالمي 2025 “نحن الاحتواء” في الشارقة محطة مفصلية لإعادة الاعتبار لمبدأ الأهلية القانونية الكاملة على قدم المساواة مع الآخرين.

وعلى المستوى المحلي شكّل القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة نقطة تحول في مسار التعليم الدامج في دولة الإمارات حيث تبع صدوره إطلاق “سياسة المدرسة للجميع” عام 2010 التي أرست التزام الدولة بفتح أبواب المؤسسات التعليمية أمام جميع الطلاب دون تمييز ووفق دراسات أكاديمية حديثة لا يزال هذا المسار يواجه تحديات تتعلق بتغيير المواقف المجتمعية داخل الجامعات والمدارس إلا أن السياسات التشريعية القائمة أرست قاعدة متينة للانتقال من الدمج الشكلي إلى الدمج الحقيقي. وام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى