منتدى تريندز السنوي الخامس :مواجهة التطرّف تتطلب مقاربات شمولية متعددة المستويات

 

أبوظبي في 16 سبتمبر 2025

أكد خبراء وباحثون في المنتدى السنوي الخامس لمركز تريندز للبحوث والاستشارات حول الإسلام السياسي، أن مواجهة التطرّف تتطلب مقاربات شمولية متعددة المستويات، لا تقتصر على الحلول الأمنية وحدها، بل تشمل الأبعاد الفكرية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب تعزيز القيم الديمقراطية وسيادة القانون.

وأوصى المنتدى الذي انعقد تحت عنوان “مشتركات العنف: مقاربات حديثة لأنماط التطرّف المؤدلج”، وشهد الإعلان عن فوز جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بجائزة تريندز العالمية لمكافحة الفكر المتطرف في دورتها الأولى، بضرورة الفصل بين المظالم الحقيقية والاستغلال الأيديولوجي لها، وفتح مسارات مدنية بديلة تمنح الشباب فرصاً للقيادة والابتكار، إلى جانب حماية المؤسسات التعليمية من التدين الحركي عبر تدريس مهارات التفكير النقدي وتفكيك السرديات التي تبرر العنف.

وركز المنتدى الذي عقد تحت شعار “معاً نجابه التطرف بالمعرفة” في فندق فيرمونت باب البحر بأبوظبي، بحضورعدد من كبار المسؤولين، و بمشاركة واسعة من مسؤولين وخبراء وأكاديميين من الإمارات، والسعودية، والولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، والهند، وإندونيسيا، والبرتغال، وبولندا، ومصر، والأردن، وطلاب الجامعات ، على بؤرة البحث على القواسم المشتركة التي تجمع بين أنواع التطرف المؤدلج، وغالباً ما يؤدي هذا الانشغال المفرط بالفروقات إلى حصر فهم الظاهرة في مقاربات ضيقة تقود إلى حلول بعيدة عن النجاعة.

وشدد المشاركون على أهمية تعزيز التماسك الاجتماعي كجدار حماية ضد خطابات الكراهية، ووضع أطر تشريعية واضحة للفصل بين النشاط الديني والعمل السياسي، ومنع استخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية، وأكدوا أن اللجوء إلى العنف مرفوض في أي نظام ديمقراطي أو دستوري.

كما ناقش المنتدى دور الفضاء الرقمي، داعياً إلى التصدي للمحتوى المتطرف على الإنترنت عبر التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني وشركات التكنولوجيا، وإطلاق حملات توعية رقمية تعزز قيم التعددية والمواطنة وتواجه الدعاية المتطرفة بخطاب بديل.

وأكد المشاركون محاسبة جميع الجهات التي تمارس العنف المؤدلج، دولاً كانت أو تنظيمات، وفق القانون الدولي، لكسر دائرة الإفلات من العقاب التي تغذي الإرهاب.

وخلص المنتدى إلى أن بناء مجتمعات قوية قادرة على إفشال الدعاية المتطرفة، وتطوير ميثاق للمنابر والعمل الخيري، وإنشاء شبكات إنذار مبكر لرصد الخطاب المتشدد، إلى جانب برامج إعادة تأهيل للمتطرفين السابقين، يمثل ركائز أساسية لمكافحة الإرهاب الفكري، وصون القيم الإنسانية القائمة على الانتماء والعدالة والكرامة.

وتناول على مدار جلساته، قضايا محورية تتعلق بكيفية توظيف الدين في تأجيج الصراعات السياسية، والطرق التي تتبناها الجماعات المتطرفة في استقطاب الأفراد عبر أدوات الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، كما ناقش دور الخطاب الديني المعتدل في تعزيز السلم المجتمعي، وأهمية بناء خطاب فكري بديل يعزز قيم التعايش والتسامح.

في كلمته الافتتاحية للمنتدى، أكد الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن المنتدى يهدف إلى رسم خرائط فكرية جديدة تكشف التقاطعات الخفية بين تيارات متطرفة متنوعة، مثل الإسلاموية، واليمين المتطرف، واليسار الراديكالي.

وأشار إلى جماعة الإخوان المسلمين كنموذج يوضح قدرة الأيديولوجيا على الجمع بين الخطاب الدعوي والمشاريع العنيفة، مستفيدين من الثورة الرقمية لتجنيد المتابعين عبر المنصات الرقمية، محذراً من أن مواجهة التطرف تتطلب خريطة طريق عالمية تجمع الخبرات والتحالفات الفكرية والسياسية، تتجاوز تفكيك خطاب الكراهية إلى تفكيك الأوهام التي تمنح هذه الجماعات القدرة على استقطاب الأجيال الجديدة.

و دعا إلى جهد جماعي يدمج البحث الأكاديمي والسياسات العامة والتقنيات والإرادة السياسية لجعل المنتدى منصة لإطلاق سرديات التعايش والإنسانية بدل العنف الأيديولوجي.

وأبرز الدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أوجه التشابه بين جماعات الإسلام السياسي والتيارات المتطرفة الأخرى، مشيراً إلى أنها تشترك في بنية فكرية وسلوكية متطابقة تقوم على رؤية منغلقة تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وتصنّف الآخرين كأعداء، مع تبجيل قائد مخلّص وسرديات تبرر الصراع النهائي.

وأوضح أن هذه الحركات تشوه الواقع عبر خطاب مؤامراتي، وتوظف مفاهيم دينية وسياسية مغلوطة، وترفض البنى الوطنية، وتسعى للسيطرة أو الإطاحة بالدولة، مستخدمة التحالفات الانتهازية، والتشويه، والعنف، وتجنيد الأطفال، ما يعكس عدميتها واعتمادها العنف كوسيلة وحيدة.

أكد معالي السير ليام فوكس، رئيس مجموعة الاتفاقات الإبراهيمية – المملكة المتحدة، أن مصطلح “المتطرفين الدينيين” غير دقيق، فهم ليسوا رجال دين، بل أشخاصا يوظفون الدين لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية، واستشهد بـ”مفارقة التسامح” لبوبر، وحذر من مخاطر التطرف في أوروبا نتيجة الصواب السياسي، مؤكداً أن السماح للتعصب بالانتشار جعل الغرب، خصوصاً بريطانيا، ملاذاً لجماعات، مثل الإخوان، الذين استغلوا المساجد للتحريض، واختتم بدعوة لمواجهتهم بصرامة، وفضح خطابهم أمام أتباعهم وتسميتهم بما هم عليه “متطرفون يوظفون الدين ولا يمثلون التدين”.

وطرحت السيناتورة نتالي جوليه، عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي عن منطقة أورن (نورماندي)، في كلمة مماثلة فكرة أن العنف هو خيط مشترك بين الإسلام السياسي والحركات اليمينية المتطرفة، موضحة البعد المالي المشترك بينهم، مثل هياكل التمويل الغامضة، وإساءة استخدام المنظمات الخيرية والأصول المشفرة.

ومع انطلاق أعمال المنتدى، أعلن الكاتب والمفكّر البروفيسور رضوان السيّد، عضو المجلس العلمي والأكاديمي لـ”تريندز” ورئيس مجلس أمناء جائزة تريندز العالمية لمكافحة الفكر المتطرف، عن فوز جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالدورة الأولى من الجائزة تقديراً لجهودها الرائدة في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال، وتفكيك الخطابات المتشددة، وتعزيز أسس التعايش الإنساني المشترك.

وأشار البروفيسور رضوان السيّد إلى أنّ اختيار الجامعة يعكس إيمان الجائزة بالدور المحوري الذي تضطلع به المؤسسات الأكاديمية في بناء الحصانة الفكرية، وإعلاء قيم المواطنة والحوار والتسامح، باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف، موضحاً أنّ الجامعة تمثل اليوم نموذجاً معرفياً عالمياً يجمع بين البحث والتعليم وخدمة المجتمع في التصدي للفكر المتطرف وتكريس ثقافة السلام.

وأوضح فيّاز موغال، مؤسس ومدير منظمة Faith Matters – المملكة المتحدة، في الجلسة الأولى التي أدارها بول كروكشانك، رئيس تحرير مجلة CTC Sentinel – مركز مكافحة الإرهاب، الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت، أن التطرف ينشأ من دمج المظالم الواقعية (مثل التهميش والبطالة) مع صراعات الهوية، ويتعزز عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تضخم المظالم وتخلق غرف صدى، وأشار إلى جماعة الإخوان المسلمين كنموذج لاستغلال إخفاقات الحكم لتحويل القضايا المشروعة إلى أيديولوجيات متطرفة.

وتناول سعادة ضرار بالهول الفلاسي، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي والمؤسس المشارك مجموعة المجلس – الإمارات، دور الإخوان المسلمين في توجيه الطلاب عبر حملات المقاطعة وتحويلهم إلى مؤسسات تتبع الجماعة، بهدف زيادة الإيرادات المالية وتعزيز النفوذ والسيطرة على قطاع التعليم، وأدار الجلسة عبدالعزيز الشحي، باحث رئيسي ونائب رئيس قطاع البحوث – تريندز، بمشاركة البروفيسور أليساندرو فيراري، أستاذ قوانين الدولة والأديان والقانون المقارن للأديان – جامعة إنسوبريا، إيطاليا، الذي قدم مفهوم “الديمقراطية المناضلة” كحل لمواجهة أعداء الديمقراطية دون المساس بحرية الدين، مستعرضاً التجربة الإيطالية كنموذج للتوازن بين حماية النظام العام واحترام التعددية الدينية.

أما الدكتور رضوان السيد، عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي – جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، فشدد على أن المتطرفين يستخدمون الأيديولوجيا كأصل لتصحيح الواقع، داعياً لمواجهة التطرف بقراءة جديدة للتاريخ واعتبار الدولة الحديثة ضرورة وطنية.

بدوره أكد الدكتور وائل صالح، مستشار شؤون الإسلام السياسي والتطرف في “تريندز للبحوث والاستشارات”، في مداخلته أن الدراسات التقليدية للتطرف غالباً ما تركز على الفروقات بين الجماعات وتغفل القواسم المشتركة، ما يؤدي إلى مقاربات ضيقة وحلول محدودة.

ودعا إلى تفكيك الأفكار المؤسسة للتطرف وبناء استراتيجيات تربوية وثقافية تعزز التعدد والنقد والمواطنة.

وشدد البروفيسور باتريس برودور، أستاذ مشارك بمعهد الدراسات الدينية – جامعة مونتريال، على ضرورة تكامل الجهود السياسية والدينية والتعليمية والمجتمعية لمكافحة التطرف.

وقدمت الدكتورة أورلا لينش (عبر الفيديو)، جامعة كوليدج كورك – إيرلندا، تحليلات حول دوافع الانضمام للتطرف واستراتيجيات التعامل مع الجمهور المستهدف.

وفي الجلسة الثانية التي أدارها محمد الظهوري، مدير إدارة الدراسات السياسية المتقدمة – تريندز، بمداخلات بدأها سباسيمير دومارادزكي، أستاذ مساعد قسم القانون ومؤسسات الاتحاد الأوروبي – جامعة وارسو، بولندا، حيث أوضح كيفية تفكيك الأسس الفكرية للتطرف عبر دراسة التجارب الأوروبية الوسطى والشرقية.

بدوره أكد محمد خلفان الصوافي، باحث في العلاقات الدولية، أن التطرف المؤدلج لم يعد ظاهرة هامشية، بل يمتد لكل الأيديولوجيات، بما فيها القومية والنازية، فيما شدد مشاري الذايدي، كاتب رأي ومحلل سياسي – صحيفة الشرق الأوسط، على أهمية دراسة أصول التطرف بشكل منهجي.

وقدمت الدكتورة آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف – الولايات المتحدة الأمريكية، عبر خبرة في المجال مفهوم “الكوكتيل القاتل للإرهاب” المكون من الجماعة، الأيديولوجيا، والدعم الاجتماعي، والدوافع الفردية، مشيرة إلى أن الجماعة هي التي تكتسب الأيديولوجيا إلى العنف، فيما ركز أيمن دين، مستشار الشؤون الإقليمية – المملكة المتحدة، على مقاربات فعالة لفهم دوافع الانضمام للتطرف ومعالجة جذورها.

وفي الجلسة الثالثة التي أدارتها شمسة القبيسي، باحثة في إدارة الإسلام السياسي – تريندز، بمداخلات استهلها الدكتور خوسيه بيدرو زوكيت، زميل باحث معهد العلوم الاجتماعية – جامعة لشبونة، البرتغال، وقدم دراسة حول التطرف المتبادل بين الحركات الهوياتية والإسلاميين في أوروبا، مؤكداً أهمية تفكيك الدعاية ومعالجة جذور المخاوف المجتمعية.

أما الإمام محمد التوحيدي، نائب رئيس المجلس الإسلامي العالمي لعلماء الدين، فأكد أن الإخوان المسلمين يمثلون منبعاً رئيسياً للتطرف الحديث، مستغلين النصوص الدينية لتبرير العنف.

وربط البروفيسور يون محمودي، أستاذ التاريخ – كلية العلوم الإنسانية، جامعة إندونيسيا، صعود التطرف في إندونيسيا بعوامل متعددة، ودعا لمقاربة تجمع القوة الصلبة (القانون والأمن) والناعمة (برامج نزع التطرف وتعليم الاعتدال وتمكين المجتمعات)، فيما أكدت الدكتورة أورلا لينش (عبر الفيديو)، أهمية الاستفادة من تجارب المنشقين السابقين لفهم واستهداف دوافع الانضمام للتطرف.

وفي الجلسة الرابعة التي أدارها محمد الملا، مؤسس ورئيس شبكة ديوان الملا – الكويت، بمداخلات بدأت بالسيد عمر البشير الترابي، المدير العام بالإنابة ورئيس التحرير مركز المسبار للدراسات والبحوث، الذي تحدث عن “سلسلة التوريد” الفكرية والتنظيمية للتطرف، مشيراً إلى دور اختراق التعليم والعمل الخيري في تشكيل قاعدة اجتماعية للتطرف، فيما أشار عبدالله بن بجاد العتيبي، كاتب وباحث – المملكة العربية السعودية، إلى أن التطرف جزء من النفس البشرية، وبرز بأشكال مختلفة عبر التاريخ، محذراً من دعوى “التطرف المضاد” التي استغلتها جماعة الإخوان المسلمين.

بدوره لفت حمد الحوسني، باحث رئيسي ومدير إدارة الإسلام السياسي – تريندز، إلى الخطر المركب للإخوان المسلمين على الدين والدولة والمجتمع، ما جعلهم يصنفون كتنظيم إرهابي في عدة دول، أما أسامة الدليل، رئيس قسم الشؤون الدولية – جريدة الأهرام المصرية، فشدد على ضرورة استخدام مصطلحات دقيقة مثل “الإجرام السياسي المتأسلم” بدل “الإسلام السياسي”، ودور الإعلام في مواجهة هذه الظواهر.

واختتمت الجلسة بتأكيد اللواء المتقاعد صالح المعايطة، محلل استراتيجي – الأردن، احتكار جماعات الإسلام السياسي الدين وإقحامه في السياسة، وتحويل بعض المساجد إلى مراكز للتجنيد، ودعا لاستراتيجية عربية تقوم على الفصل بين الفكر السلمي والعنف.

ورافق المنتدى معرض مصاحب عرض جهود شركاء المنتدى ومركز تريندز في مواجهة التطرف، وعرض أبرز الدراسات والأبحاث، كما تم عرض فيلم توعوي بمشاركة مجلس شباب تريندز لتوضيح أساليب الجماعات المتطرفة عبر الإنترنت، مع رسالة تحفيزية للشباب:”كن واعياً… كن جزءاً من الحل… لا تجعل التطرف يسرق أحلامك.”

كما حظي المنتدى بشراكات استراتيجية من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ومجلس الأمن السيبراني، ودعم إعلامي من The National، وسكاي نيوز عربية، والعين الإخبارية، ومنصة Harici ومركز الاتحاد للأخبار، وصحيفة الخليج. وام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى