الإمارات

«إبراهيم المدفع».. مؤسس الصحافة في الإمارات وأحد أبرز رواد التنوير

إبراهيم المدفع

يُعد إبراهيم بن محمد المدفع واحدًا من أبرز الشخصيات الثقافية في تاريخ دولة الإمارات، وأحد رواد الصحافة والفكر في منطقة الخليج العربي، أسس أول صحيفة مطبوعة في الدولة، وساهم بفكره وقلمه في نشر الوعي والثقافة الوطنية والاجتماعية منذ بدايات القرن العشرين، ليحفر اسمه في سجل الريادة الإعلامية والثقافية بجدارة.

البدايات والنشأة

ولد إبراهيم المدفع في الشارقة عام 1909، ونشأ في عائلة مرموقة تهتم بالعلم والدين، مما أثر في تكوينه الفكري والثقافي المبكر. تعلم اللغة العربية وعلوم الشريعة، كما انفتح على الفكر العربي الحديث واطلع على الكثير من الصحف والمجلات.

انتقلت أسرة المدفع من عمان، منذ زمن بعيد يعود إلى القرن الثامن عشر وهي من قبيلة الحرث في بلدة مضيرب ونزلت بلدة ريام ثم انتقلت لتستقر في الشارقة عام 1690 وأصبحوا من أشهر تجارها وحققوا مكانة اجتماعية مرموقة. وكان لهم نشاط كبير في تجارة اللؤلؤ واقتناء السفن الشراعية الضخمة التي كانت تجلب التمور من البصرة والأرز والبهارات والعطور من الهند وإفريقيا وإمداد الغواصين وتجار اللؤلؤ والمتاجرة فيه وتصديره إلى الهند كل ذلك أدى إلى تحقيقهم لشهرة واسعة في شرق البلاد وغربها.

أول صحيفة مطبوعة

وفي عام 1927، أطلق أول صحيفة مطبوعة في تاريخ الإمارات، وهي صحيفة “عُمان، التي كانت تصدر بشكل نصف شهري وكان يكتب أخبارها بيده ، وكانت أولى بذور الصحافة المحلية وكانت تهتم بأخبار الشارقة وأخبار المنطقة وحكايات عن البدو .

وحملت الصحيفة أفكارًا تنويرية، ودعت إلى الوعي الاجتماعي، والتعليم، ومكانة المرأة وتميز أسلوب المدفع في الكتابة بأنه كان مباشرًا وواضحًا.

و أسس إبراهيم بن محمد المدفع مكتبته الخاصة عام 1933، والتي تحولت إلى ملتقى لأهل الفكر والثقافة، وبؤرة للوعي الوطني والقومي، حيث شهد ذلك المجلس العديد من المبادرات الريادية والإسهامات المهمة التي أغنت الواقع الإماراتي على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي، فقد جمع المدفع في مجلسه بين الثقافة والسياسة.

وأصدر بعد ذلك صحيفة «صوت العصافير» عام 1933م بعد توقف الصحيفة الأولى عن الصدور. وإضافة إلى أهمية مجلس المدفع الأدبية والفكرية حيث تؤمه شخصيات مهتمة بالأدب والتاريخ، فإنه يعتبر من أهم المتاحف التراثية وذلك لاحتوائه على ملقف هوائي «بارجيل» فريد من نوعه في الإمارات ومنطقة الخليج، وهو يشبه المئذنة.

مناصب متعددة

وكان إبراهيم المدفع له حضور في مختلف المظاهر والفعاليات الثقافية والاجتماعية والوطنية ، فإلى جانب الريادة في الصحافة، اهتم بالشعر الفصيح والنبطي ودافع بفكره وقلمه عن قضايا الوطن والأمة وكان شديد الحرص على قيام دولة الاتحاد حيث ساهم في وضع لبناته التأسيسية الأولى.

وتولي عدة مناصب منها مستشاراً لأربعة من حكام الشارقة، فكان كاتباً خاصاً ومستشاراً للشيخ سلطان بن صقر القاسمي، ومن بعده لابنه الشيخ صقر بن سلطان، ومستشاراً للشيخ خالد بن محمد القاسمي، ومستشاراً لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، كما ترأس في 1940 دائرة حكومة الشارقة التي كان من مهامها الإشراف على الجمارك والمالية.

إسهاماته الثقافية:

– ساهم المدفع في تأسيس أول مجلس أدبي وثقافي في الشارقة، وكان له دور فاعل في حركة التعليم.
– كتب العديد من المقالات الفكرية التي نشرتها صحف عربية
– كان له حضور قوي في المجالس الأدبية، وشجع على طباعة الكتب وتداولها.
– من أبرز رواد العمل الوطني الذين تحملوا عبء المشهد الأدبي والثقافي واتخذوا منهجاً وطرقاً لخدمة مجتمعهم فعمدوا إلى إنشاء المدارس وافتتاح الأندية والمجالس الأدبية وتأسيس الصحف.

الإرث والتأثير

إبراهيم المدفع لم يكن مجرد كاتب، بل صوت مرحلة، ومؤسس الوعي إعلامي جديد في مجتمع الخليج. وقد كرمته الدولة بإطلاق اسمه على جائزة أدبية وعدد من القاعات والمكتبات التعليمية.

و يُنظر إليه كرمز ثقافي وطني، ألهم أجيالًا من الصحفيين والمفكرين الإماراتيين، ورسّخ أهمية الكلمة ودورها في البناء الحضاري.

إبراهيم المدفع هو أحد أعمدة النهضة الفكرية في الإمارات، ومؤسس وأحد أوائل من آمنوا بدور الصحافة في التعبير عن المجتمع وتطلعاته. ما قدّمه لا يُقاس بعدد الصفحات التي كتبها، بل بالأثر العميق الذي تركه في مسار الثقافة والإعلام في الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى